الاثنين، 6 أكتوبر 2008

قصة قصيرة

تتعثر فى خطواتها الى المكتب , البنطلون يكبر مقاسها بنمرتين على الأقل , حافته تمتد أسفل حذائها , تعوق حركتها , تحاول رفع البنطلون من عند الركبة , تنظر خجلة لأحداهما , ثم تواصل خطواتها نحو مكتبها . كان قد صمتا الزميلان عن دخولها , ثم بعد لحظات , استأنف أحدهما الحديث : هل المسألة رفض للمبدأ أم للطريقة فى حد ذاتها؟ الأخر مترددا : الطريقة ....و المبدأ أيضا , لا أعلم , فقط لا أتصور نفسى حاملا علبة شيكولاتة , ذاهبا لزيارة ناس لا أعرفهم ,و بعد ساعتين من الثرثرة , أقرر ان كنت سأتزوج ابنتهم أم لا . تتدخل هى بعد أن استقرت على كرسيها : فعلا , أنت على حق , لا أتصور نفسى متزوجة بهذه الطريقة أيضا , بالتأكيد ستجد فى من حولك الفتاة المناسبة لك , حتى و ان لم تدرك هذا الأن . لا يرد عليها و يلتفت لصديقه : غالبا سأتحايل على الموقف , و أتهرب من الذهاب معهما. بعد انتهاء مواعيد العمل , تتقدم نحو مكتبه قائلة : يجب أن تبقى معى ساعة اضافية لننهى كتابة الملفات. يجمع هو أغراضه , ملقى الجاكيت وراء ظهره ماسكا طرفه بيد , و يبحث عن محفظته باليد الأخرى , يرد و لا يشيح عينه عن مكتبه : أنا أجلس ساعة اضافية لانهاء الملفات ؟! أنا كنت سأنصرف ساعة مبكرا. : و الملفات ؟! يمضى نحو الباب مديرا ظهره لها و يقول : انجزى نصفهم , و اتركى لى النصف الأخر غدا. **********
لماذا تفعل بى هذا؟! حتى عندما يتحدث معى , وهذا نادر جدا , يكون منشغلا بأى شىء أخر , أنا لى شهرين أدعوك أن تجعله يهتم بى بمقدار ما يهتم ب "عم سيد " الساعى , لا يا رب كثير على تحمل هذا , أنا أصلى بانتظام , نعم أصلى و أحفظ القرأن , لم لا تجيبنى الى ما طلبت ؟! , كل الناس يأتى عليهم وقت و تلبى دعواتهم , أنا كنت فى ابتدائى التلميذة الغبية , و فى اعدادى المنفرة , و فى ثانوى ذات الشعر الخشن و العيون الضيقة , حتى فى الكلية لم أكون أى علاقة بأى شاب , اكرمنى هذه المرة , ليس من المعقول أن أكمل الثلاثين و أنا غير متزوجة . أتظن أنه ينقصنى الاهتمام بمظهرى؟؟ , و الله فعلا , على العموم يا رب أكيد اهتمامى بمظهرى لن يغضبك خاصة أنه بغرض الزواج فى النهاية , يا رب اجعل فى القبول يا رب. تنهض من وضع السجود , تقول الشهادة ثم تسلم. *********
: صباح الخير تتحرك بخطوات سريعة نحو مكتبها , ترمقه بنظرة خاطفة قبل أن تسحب كرسيها من المكتب. يحملق فيها الاثنان فى دهشة , و يقول لها صديقه قاطبا حاجبيه : و لما التجديد اليوم ؟! - تجديد؟ !! أنا من زمان أرتدى الجيبات , لكن ظروف العمل تجعلنى عملية أكثر . ثم تعيد النظر له مرة أخرى , و لكن تركيزه كان مع الكمبيوتر. قامت من جلستها , و أخذت تستعرض بلوزتها الوردية , و الجيب القصيرة التى تكشف عن ساقيها النحيلتين جيئة و ذهابا , و لكنها لم تظفر سوى بتلك النظرة المندهشة فى بداية اليوم. هى: أنهيت أمر الملفات؟! : بعضها , سأؤجل المتبقى للغد. هى باسمة : أنت من من يؤجلون أعمالهم اذن! بعد دقائق, يلتفت لها قائلا : امض لى معك فى الدفتر , لأنى سأخرج قبل ميعاد الانصراف بنصف ساعة. **********
لا , لا , الأمر غير محتمل , سأظل طوال عمرى أبكى فى الصلاة , غير معقول ! أنه حتى لا يتقبلنى كزميلة , أنت يا رب لم تجعل فى القبول , أنت جعلت فى النفور , لماذا ؟!! ما الذنب العظيم الذى تعاقبنى عليه باستمرار ؟! , أنا كرهت نفسى و كرهته , و كرهت توسلاتى لك الغير مجدية , غير مجدية بالمرة ............. استغفر الله , سامحنى يارب لا أقصد ما تظن , ولكنه صعب على أن أعيش مثل الصفر على شمال كل واحد , ثم أننى اشتريت ملابس جديدة , و ذهبت للكوافير فى أول مرة من سنتين , و أكلمه برقة شديدة , فيما قصرت ؟! .... أه , ممكن تكون غاضب منى بسبب موضوع الجيب القصيرة , فعلا أنا سلكت طريقة تجلب الذنوب , أنا أسفة , أنا اهتديت و الله , و عرفت الطريق السليم . اجعله من نصيبى يا رب . تنهض من وضع السجود , تمسح عينيها المبتلتين بطرف كمها تقول الشهادتين و تسلم . ************** : السلام عليكم . تقولها , و تتحرك مسرعة , منكسة رأسها , و مصوبة نظراتها للأرض , تضع ما تحمله من اوراق على حافة مكتبها , وتسحب كرسيها و تجلس غير رافعة نظرها عن الأوراق . تتملكه نوبة من الضحك الهيستيرى , و صديقه يحملق فيها فاتحا جفنيه لأقصى ما يستطيع أن يفتحهما , ثم يقول : م ... مبروك . هى : لماذا؟ ترتفع ضحكات الأخر من جديد , فيرد الصديق : الحجاب , أو الخمار تقريبا . ترمق الضاحك غاضبة : ربنا يهدى من يشاء . بعد قليل تنهض من مكانها , تتجه نحو مكتبه , و تحاول تنحيف صوتها قدر استطاعتها قائلة : فى – ان شاء الله - أمسية دينية يوم .. يكتم ضحكته و يحاول السيطرة عليها بضم شفتيه داخل فمه . - فى حاجة ؟! - لا , لا , معاك , تقولين فى أمسية دينية ... تقول متصنعة الشفقة : لا تقلق , عادة ما يهدى الله المرأة , أولا . يكون هو وقتها فى ذروة اندماجه مع (جيم) على الموبايل و يرد عليها بهدوء : فعلا , فعلا . : أتركك أنا لألعابك هذه , و أسفة لمقاطعتك . (تمشى غاضبة) . و يرد عليها على غير ما توقعت : لا, و لا يهمك . ********************
أعتقد أنك مللت و أنا أيضا مللت , واضح أن فى مرضاتك أو اغضابك نفس النتيجة بالنسبة له , و لما له ؟! نستطيع أن نقول بالنسبة لى , قلت لنفسى , هم يحبون المتدينة حتى و ان كانوا كفرة , خاصة عند اختيار الزوجة , لماذا يلحقنى الفشل فى كل شىء ؟! و لماذا لا تمنعه؟! ينقصنى العنوسة أنا فوق مشكلاتى الأساسية , ثم بعيدا عن الزواج , لماذا لا يعجب بى كفتاة ؟! و لماذا لا تمنع احباطاتى المتكررة فى كل شىء ؟! أنا يأست من نفسى , و من أن تساعدنى , أحلال فى المعاناة ؟! لا , أخبرنى , هى حلال فى ؟! اذن خلصنى منه , و من اهتمامى به أصلا طالما لا تريده حتى أن يحترمنى , خلصنى منه , و على فكرة ملحوظة صغيرة , أقل منى فى الشكل و التعليم و الأخلاق , و حظهم أحسن , تسلم و تنسى الشهادة . ******************
تدخل مكتبها حاملة بعض الأوراق , تتعثر فى البنطلون كعادتها السابقة , تضع أوراقها , و لا تجلس على الكرسى , بل تجلس فوق مكتبها و تدعى قراءة صحيفة , لم يقذفها أى منهما بنظرات التعجب هذه المرة , يبدو أنهما اعتادا التجديد . : يعنى أنا مدعو للحفل و لا الأمر عائلى ؟ : لا , طبعا , تعالى , أنا تقريبا دعوت طوب الأرض. تتدخل هى متوجسة : ما المناسبة ؟ صديقه : خطوبته الأسبوع المقبل , تصورى! , من كان يلعن زيجات الصالونات . لا تقول هى شيئا , لا تقول أى شىء على الاطلاق , ترفع رأسها لأعلى , تتكون على عينيها طبقة شفافة لامعة من الدموع , تغمض عينيها و تتساءل فى سرها : أنا نسيت أصلى الفجر , أم ماذا ؟! **********************

هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

اسلوبك جميل جدايا سارة و عبرتى عن تفكير طبقة واسعة من بنات هذا الزمن و الحوار اعجبنى جدا خاصة جزئية الدعاء و الصلاة بعد كل محاولة لاستمالة الفتى و لا يهتم و منتظر منك لافضل دائما

على

Towtor يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
غير معرف يقول...

السلام عليكم

شدتنى قصتك من البدايه ...يمكن للشبة شوية بينى وبين البطلة ..ليس فى افعالها وانما حالتها ...احساسها بالخوف من بكرة ...انتظارها لشريك حياه ...اختلافها عن الناس فى معظم فترات حياتها.... نظرتها للشباب وللازدواجيه اللى بيتعاملوا بيها فى حياتهم ..بفكر اوقات ايه الخلطة السحرية اللى ممكن تنول رضا معظم شباب هذه الايام وتجعلهم يقدموا على الزواج ..اعتقد ان كتير من الشباب فشلوا فى معرفة ماذا يريدون وكيف يقررون الزواج من فتاه دون غيرها ...انظر حولى فأجد اكثر من خمس زيجات تمت مؤخرا بين بنات الاعمام وابناء عمومتهم او اخوالهم فى مختلف المستويات الاجتماعية .وجدوا فى قريباتهم اهم شرط فى الزواج وهو الثقه ومعرفه اصل الفتاة جيدا .اجدها ظاهرة ملفتة ..ربما لايجدها الكثير مثلما اراها .

ارى ان تهتم بطلتك بنفسها فقط ..ان تعمل على تطوير نفسها كليا من اجل نفسها ..ليس من اجل لفت نظر احد وهى متمسكة بدينهاوتقاليد مجتمعها ...تحاول الا تتطرف فى افكارها وتعرف جيدا ان صلاتها ودعائها هو ما سيكسبها سلاما ورضا داخلى سيجعل من احلام الزواج الملحة مجرد مشاريع مؤجلة يمكن الانتظار حتى تتحقق.


تشرفت بزيارة مدونتك وانتظر المزيد

Meshmesha

سارة نجاتى يقول...

شكرا يا على , أنا عارفة رأيك من الأول , بس مبسوطة أنى قرأته .


و عليكم السلام يا مشمشة

أنا اللى اتشرفت لأن انتى من اول التعليقات فى المدونة كلها , بصى لما يرسخوا فى البنت أن مهمتها الأساسية هى الزواج , تشعر بقلق و تقصير من جانبها اذا لم تتزوج, و لو فى خلطة سحرية مكانش حد غلب , كنا حننقلها لبعض , الحل أن الواحد يبقى نفسه أوى , صحيح ده صعب, بس ده النموذج اللى شفته كسب نفسه و كسب البعض معاه .
شكرا على تعليقك جدا

مجلة سيكولوجية مصرية يقول...

سارة مش معقول

مبروك المدونة بس كملى بقى


ارجو أن نتواصل

أحمد مصطفى

تابعى مجلة سيكولوجية مصرية
http://psychologyegypt.blogspot.com

Zika يقول...

طريقتك لذيذه في الكتابه
والقصه كمان كويسه
ومبروك المدونه
ونورتي البلوج سبوت كله
تحياتي
زيكا

ana ga3an يقول...

جميلة
وطريقتك في قص الرواية جميل و
وسهل الاندماج معة
تحياتي

حامد برهام يقول...

لا أدري لماذا لم تعجبني القصة مثلما أعجبتني مقالاتك... ربما لأنها مقالا يدعي أنه قصة...انا لا أنكر أن فيه حس الاسكتش أو المسرحية ولكني لا أجد روح القصةالقصيرة...شئ تابع لذوقيات أدبية خاصة بي لا أفرضها عليكي..ولا أنتوي...ولربما ما لم يعجبني هو حوار الدعاء..الذي يتناقض مع النهاية....فتدرج حوار الدعاء كان ليؤدي بالفتاة علي الشكل المذكور إلي ترك الصلاة...لا إلي توقع أن يكون الأمر ناتج عن عقاب لتركها صلاة الصبح..بإيمان لايتزعزع عن فلسفتها المغلوطه...يدل في النهايه أنها لن تترك هذه الوسيلة في المحاولات التي لابد قادمة مع رجال آخرون...أتمني أن أري لك قصصا أكثر قصصية في المرات القادمة...سلام

سارة نجاتى يقول...

رأيط طبعا يهمنى يا حامد

بس من الأشياء المؤسفة فى التدوين أو فى النت عموما , أنه لا يتناسب مع ايقاع قصة لها بداية و نهاية و طريقة معينة و حالة شعورية المفروض الشخص يدخل فيها , يعنى لو كنت افتتحت بيها المدونة وبعدين قرأت أنت المقالات , كان الوضع مختلف .
بخصوص النهاية , دى النهاية التقليدية بتاعت أن الواحد يتراجع عن خطأه , أو أن الأوضاع تعود لمجراه الطبيعى , و لكن هل ده يحدث فعلا ؟ , أهو نفس الشخصية لو أبوها مات ح تتنقب تكفيرا عن ذنب لم ترتكبه و هو موته

بس طبعا أقدر صراحتك أنا مفرحش باللى يقولى زى الفل يا سارة و هو بالنسبة له لا فل و لا حاجة

سلام