الأربعاء، 28 يناير 2009

عندما تدون فى أخر الكراسة

جاءتنى من بضعة أيام صديقتى من أولى اعدادى "ساجى" و ذكرتنى بأيام المدرسة و فصل 3/4 و شلة 3/4 ( كنا طوال عمرنا فى الفصل الرابع و الأخير ) , و بالمدرسين و بالفصول و بالمقالب التى كنا نعدها لبعض و كيف كنا نتعامل مع الحصص المملة . كنا عندما نريد قصر المشاكل مع المدرسات نكتب لبعض , فمثلا القصة المقررة علينا فى اللغة العربية فى الاعدادية غلب الرصاص على سواد سطورها و أصبحت عندما تفتحها للوهلة الأولى تجد "يعنى أنتى متأكده أنها كانت بتحور عليكى ؟" و تجد رد ساجى " أه طبعا ده حتى كان باين على وشها " و أكيد هذا ليس حوار بين أبطال القصة , و لكنها مقتطفات من مسلسل النميمة اليومية و الحكايات و صراحة كان عندنا حق فليس هناك ما هو أسوأ من حصة اللغة العربية ,و بين الحين و الأخر تجد خطوط أناس لا نعرفهم و لكنهم بالتأكيد كانوا بعض زملائنا يشاركونا الاحساس بالملل من الحصة و خاصة حصة ميس ايمان مدرسة اللغة العربية. "ساجى" كانت مثل كاتب المحكمة , لما ينقطع ارسال الاستقبال عندها تماما , تخرج أى كراسة و تكتب فى أخرها زجل أو خواطر , فاجئتنى من يومين عندما قالت لى أنها لازلت محتفظة بهم . استوليت على بعض أوراقها باعتبارها وثائق تاريخية عظيمة , قلت لها : ح أعمل بيهم مصلحة و أجيبهم تانى ,و سمحت لى الرقابة بنشر بعضهم بعد حذف بعض المشاهد : ( النهارده يوم مش لذيذ خالص , احنا عاملين زى المعارضة , الشلة التانية هى الحكومة , و البنات اللى فى النص و اللى ملهمش رأى فى اى حاجة هما الشعب ). *وصف لخناقة مع شلة الأعداء فى أولى ثانوى من منظور سياسى . (مفيش أى حاجة نعملها دخلنا الفصل و بدأت الحصة كانت عربى , و حصة العربى بتاعت ميس "نوم " هى حصة النوم بتاعتنا , بتعرف تعمل تنويم مغناطيسى , و على فكرة أنا أنصح كل واحد بيواجه مشكلة فى النوم يحضر حصة واحدة معاها و ح ينام فى ثوانى ) * ساجى و لحظة استمتاع بحصة اللغة العربية فى الثالث الاعدادى . (كل مدرس له مجموعة من جواسيسه اللى بيعرف بيها أخر الأخبار عشان يدخل نفسه فى حياتنا طوال الوقت عشان يحسوا أنهم عارفين يخنقونا و يقفلوا علينا كويس أوى , طبعا كنتيجة لده ميس نوم عرفت الخناقة راحت جايه واخدانا على جنب و قعدت تنصح فينا و تقول ان البنت المحترمة المؤدبة متردش على الناس و ح تعرف تاخد حقها لما تحرج الناس بأدبها , واضح أنها لسه عايشة فى أيام الزمن الجميل ) * و أحب أضيف أنى سأحرجها بأدبى و أقول " و ماله ؟؟" ملحوظة : و ماله ؟ كود خاص بشلتنا و يستحيل نكشفه لأى شخص أبدا نياهاهاهاها . (أول ما نزلنا البريك لقينا فى وشنا شلة الأعداء , هو تقريبا كل واحدة غيرانة من التانية فى الشلة دى بس عاملين نفسهم حبايب و بيطلعوا نرفزتهم فى الشلة المنافسة ليهم , راحوا باصيين بقرف و يقولوا بصوت عالى ايه البياءة دى ؟ , احنا مسكتناش طبعا عشان حقنا و منظرنا , راحت قايلة واحدة مننا : مش عارفة ليه الناس عماله تتكلم عن البياءة و مش شايفين نفسهم فى المراية عاملين ازاى ما يروحوا يبصوا فى المراية أحسن , ساعتها طبعا الجو ولع و المدرسة وقفت تتفرج ع اللى بيحصل , و الشلة المنافسة بانت على حقيقتها و اتفتحت وصلات الردح على أصولها , و جات مدرسة متخلفة تزعق , ح تكون مين غير الشهيرة "ماتريكس " ) *عذرا , و لكنها مدرسة ثانوية بنات على الطبيعة . (مستر التاريخ فاكر نفسه دمه خفيف , طبعا هو مش بيطيق فصلنا لأننا بنستنفخه ( شايفينه نفيخ يعنى ) و بنرفزه , و رغم كل نفخ, ه فى بنتين فى شلتى معجبين بيه , أنا و سارة طلعنا بعد الحصة بنتمشى ما بين الفصول شوية لحد ما يجى المدرس , أول ما حطينا رجلينا بره الفصل لقينا ميس "كبة " فى وشنا ) * تشاهدون حاليا "ساجى" عندما لا تفوت التفاصيل , بالمناسبة هى تكتب كما تتكلم مع الناس , و تتكلم بنفس الطريقة من اعدادى لكلية , كان ينقصنا حركة يديها و التى كنا نطلق عليها (عودونى ) نسبة لأغنية عمرو دياب حتى تكتمل الصورة . و لم تسجل خواطرها فقط , و لكن أشعار مستر عبد المعطى أيضا وهو رجل أزهرى يتحدث العربية الفصحى فى أى موقف على طريقة (و أين العروس ؟) و كان لى معزة خاصة فى قلبه لدرجة أنه ارتجل شعرا عنى , فهو اذا غضب يهجو و اذا فرح - و هذا نادرا - يمدح , يقول الفرزدق أقصد مستر عبد المعطى : لقد مللت من سارة / و كلما مشيت فى شارع أو حارة / غضبت و حزنت و كان قلبى امتلأ بالشرارة / فهى تؤلمنى و كأنها المرارة / و قد أمرضتنى و ارتفعت الحرارة / و أدعو أن أستطيع قول اتركينى بصريح العبارة ) . لماذا كل هذا التحامل على ؟؟ لا أعرف , صحيح كان بعد دخوله الفصل بدقائق تنتشر رائحة البرتقال فى المكان و ذلك لأنى كنت أجلس فى أخر ديسك أقشر و أكل و الفصل كله يشاركنى أيضا , أو ربما لأننى سألته مرة اذا كان معه سكين لكى اقشر التفاحة ( كانت حصته سوق خضار و فاكهه) ,أو لأنى قلت له مرة " تبقى يا مفترى معاك تلت شهادات و بتحضر ماجستير و مراتك مش سايبها تاخد الثانوية " .و لكن كل هذه ليست مبررات كافية لهجائى . صحيح لم يمر فترة طويلة على هذه المراحل و خاصة الثانوية , و لكنى أشعر أنها بعيدة جدا و أعوز هذا لضعف ذاكرتى , فعندما قرأت الكثير من ما دونته صديقتى اكتشفت أنى كنت نسيت الكثير من التفاصيل و الأمور التى تصورت وقتها أننى لن أنساها أبدا , هى قد لا تبدو ذات اهمية كبيرة و لم نكن نحن أيضا من أصحاب المغامرات المدرسية و لكنها تعنى لى الكثير .

الأربعاء، 21 يناير 2009

عندما تسألنى مدام "سيلفى "

منذ أن كنت بالابتدائية و أنا أسعى لتعلم الفرنسية بشكل جاد بعيدا عن المنهج الدراسى المكرر سنة بعد سنة , و كنت كلما بدأت مع أحد المراكز التعليمية , أتوقف بعد بضع مستويات لظروف الدراسة , فأنسى اللغة ثم أبدأ من جديد و هكذا . الأن أتعلم اللغة الفرنسية مع سيدة فرنسية تعيش فى مصر من خمس و عشرين سنة , جاءت الى مصر و هى فى منتصف العشرينات من عمرها , متزوجة مهندس مصرى ,و اسمها مدام سيلفى و الحمد لله حاليا بفضلها أجيد العربى المكسر اجادة تامة ... على الرغم من أن مدام "سيلفى" تعيش بمصر كل هذه الفترة , الا أنها لا تزال مندهشة , لا أجد و صف لحالتها سوى "الاندهاش " , و مع أننا نحن السكان "جتتنا نحست ", الا أنها نجحت بجدارة فى أن تجعلنى أشاركها دهشتها أيضا , فهى كامرأة أوروبية تتعجب من الكثير الذى نعتبره نحن من المسلمات , و أحيانا تسألنى أسئلة أعجز بفرنسيتى الاجابة عنها -حيث أن أخرى je suis malade بتاعت داليدا - , و أعجز بعاميتى عن تفسيرها لنفسى أصلا. أول ما أدخل مكتبها تضبط الساعة و تضعها أمامى- تريد أن تقول باختصار الساعتان هما الساعتان- , غالبا ما يتركز عملها على محاولة اكسابى أقصى قدر ممكن من المفردات و بما أن لغتها العربية ضعيفة جدا , فأحيانا ما تستغلنى لمساعدتها فى نطق الكلمة بالعربية بعد أن تعطينى مرادفها بالفرنسية , كتبت لى مرة أن متسول أو تعنى mendiant , و لأنها ناصحة الى حد ما , سألتنى عن المعنى بالعربية , فقلت لها : شحات , أعادت الكلمة لنفسها و هى حالمة - لا أعلم لماذا - : شهات , سكتت قليلا ثم صاحت : أوووووه , أنا معايا واهد ( اللى هى واحد ) فى الشوغل ( تقصد الشغل ) اسمه شحات , ايه ده ؟؟ ثم ضحكت متندرة : يعنى هو اسمه معناه monsieur mendiant , ههههههه , طب ليه أهله يعملوا فيه كده؟؟ ما يسموه "ملك "مثلا ؟؟ كلام مدام سيلفى منطقى جدا فلا يوجد على أسماء الناس جمرك , و حاولت أن أشرح لها بمزيج من الفرنسية و العربية أن أهله يظنون أنه بهذه الطريقة سيعيش طويلا , و لدرء الحسد عنه و لكنها لم تتفهم , فقلت لها: طب ما احنا عندنا عائلة كبيرة فى مصر اسمها "الحيوان " , حدقت فى طويلا ففهمت أنها لا تعرف معنى حيوان , فقلت لها موضحة : animal , أصباتها نوبة ضحك هيستيرى و لما أفاقت منها قالت : يعنى هو اسمه monsieur animal , ههههههه , طب ليه كده ؟. مرة أخرى كنا نقرأ من مجلة فرنسية , و بها صورة لفستان أنيق ترتديه موديل فرنسية فقالت لى :ليه كل الرجاله بقوا يبوصوا يبوصوا يبوصوا ؟ , قلت لها : ازاى , ازاى , ازاى؟؟؟ , قالت :" أنالما جيت هنا من خمسة و عشغين سنة , كنت بألبس فستان زى ده , و كان نادرا ما كان راجل يبوص ( اللى هى يبص ) و مش كان فى محجبات , فى ايه دلوقتى , ليه كله عمال يتفرج على بعضه ؟؟ ," شاركتها الاستنكار و الامتعاض من الرجال " اللى بيبوصوا " , فمشكلة الرجل الشرقى أنه يظن أن المرأة الأنيقة تغادر من بيتهم كل صباح قاصدة اثارة اعجابه , و ترتدى ألوان زاهية لتثير اعجابه أيضا , و ليس لسبب بسيط و لو فكرتم مع ستجدونه منطقى جدا , و هو أن جمال المظهر الخارجى يعكس عليك داخليا راحة نفسية جميلة , و نحن لسنا فى عصر الابتذال , لأن جدتك كان ترتدى المينى جيب فى الخمسينات و الستيتنات , و لم يكن هناك رجل "بيبوص ". و استكمالا لحديثنا عن الأناقة و الموضة , و كما تعلمون أن الفرنسييات هن أكثر سيدات العالم أناقة , فمدام سيلفى تعتبر أنيقة بالنسبة لقريناتها من نفس المرحلة العمرية فسألتنى سؤال أخر - أشعر أنها حصة من سيربح المليون من كثرة الأسئلة مع الفارق أننى الدافع لا هى - : " ليه يا ساغة ( اللى هو سارة يعنى ) البنات فى مصر بقى شكلهم وهش ( وحش يعنى ) كده ؟؟ ", أنا بينى و بين نفسى قلت (أأأه لعبت بعداد عمرك ), ثم أنقذت نفسها قائلة : "بس أنتى يا ساغة شكلك جميل خالص tu es tres jolie , الشكل ده مش ييجى مصرى أبدا , ممكن ييجى اسبانيول أو يونانى" . أنا بينى و بين نفسى (أه , كده ممكن يطلع عليكى صبح ) , سألتها : ماذا تقصدين بشكلهم "وحش "؟؟ قالت :يعنى لبسهم وحش جدا , ايه الألوان دى ؟؟ و ألاقى الجيب بتاعهم فيها طينه من الأرض , و حاطين ميك أب تقيل بالنهار و سايح على وشهم , و لابسين كذا طرحة فوق بعض , ليه كده ؟؟ " . شرحت لها بقدر الامكان أثر المستوى الاقتصادى و الاجتماعى على المظهر العام للناس , و على ذوقهم الشخصى . و بلا شك تلاحظون ارتفاع مستوى الجمال بين الأسر الغنية سواء فى البنات أو الأولاد عن هؤلاء من بنى الطبقات الفقيرة . فى الحصة الأخيرة فتحت لى الباب و هى غاضبة جدا - و نصيحة منى اتق شر الفرنسى اذا غضب - فدخلت بهدوء و أجلستنى فى مكاننا المعتاد و بادرتنى بسؤال كالمعتاد أيضا : "أنتوا فى ايه ؟؟ مفيش حد عنده ضمير خلاص , ليه الناس اللى مش عندها ضمير كتير كده ؟؟", مدام سيلفى تعمل كمدرسة لغة فرنسية , و دائما ما كانت تشكو من انعدام ضمير المدير و كذلك زملائها من المدرسين و أن معظمهم يهتم بالدروس الخصوصية على حساب مجهوده فى الفصل ,و المدير لا يهتم باصلاح الوضع , كما أنها تشتكى من ضعف مستوى المدرسين و قلة كفائتهم , فتقول لى " تصوغى يا ساغة أن مدغس بيكتب للأولاد ع التابلوه par accident بالشكل ده paraxidant . قلت : لا مالوش حق برده , تضيف : و لما أصلح له , مش يرضى يصلحها و يسيب الأولاد يتعلموا des fautes ( الأخطاء يعنى ) , ليه يا ساغة مفيش ضمير كتير كده ؟؟ . ومع أن ساغة تشغل منصب هى المحتسب الذى يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر , الا أنها لا تجد اجابة حقيقية على سؤال مدام سيلفى,و لو أننى اعتقد أن الفقر أيضا يجرد الناس من أخلاقهم , فالفقر و الأخلاق لا يجتمعان فى أغلب الأحوال الا فى مسلسلات رمضان . اتصلت بها مرة لتحديد موعد معها و كان قبل عيد الكاثوليك بيوم واحد , لم أكن أعلم أنها كاثوليكية , فاجابتنى فى التليفون : عندى عيد يا ساغة , اعتذرت لها , و حددت معها موعد بعد العيد بأسبوع .انتهزت هى فى تلك الحصة أول فرصة و نحن نقرأ "الأهرام أبدو" كالعادة و قالت لى : " الدين ده هاجة tres personnel , اهنا مواطنين نعيش مع بعض فى بلد واهد متساويين يهمنا أنت بتنتج ايه ؟؟ بتعمل ايه ؟؟ مش دينك ايه ؟؟ دينك ده ربنا يحاسبك عليه, و عشان كده revolution عندنا شعارها مساواة و اخاء ,أنا مش عارفة أنتوا ليه بتحبوا تسألوا الناس عن دينهم ؟؟ , معايا زميلتى أرثوذكس فى المدرسة , فضلت ذوق معايا لحد ما عرفت أنى كاتوليك , و قالت لى" لأ ده غلط كبير" , و كنت فى محل هدوم من يومين تصدقى أن هتى البياعة لما لقتنى بتكلم عربى مكسر سألتنى دينك ايه ؟؟ , فقلت لها :أنا مسيهية و جوزى مسلم ( طبعا رد مدام سيلفى لا يخلو من البله ) , فردت عليا البنت دى و كانت مهجبة (محجبة) " و جوزك موافق على كده ؟؟" , و كمان سواق التاكسى بيسألنى , و زميلى فى الشوغل يقول لى : لأ , الكلام الى عندكوا فى فرنسا مش يمشى عندنا , يعنى يبقى جوزك مسلم و أنتى مسيحية ؟؟ , طب فيها ايه لما أبقى أنا من دين و جوزى دين تانى ؟؟. لم أعلق كثيرا , لأن أسئلتها كلها نبهتنى لشىء مهم جدا و هى أن كل الاجابات لها أصل واحد , أصل مسبب لكل هذا , و هو فى وجهه تحالف الفقر مع الجهل . مدام "سيلفى" لا تكف عن الأسئلة , لا أعلم ان كان لديها الحق فى كل هذا الاندهاش بحكم الفارق الشاسع بين ما اعتادت عليه بباريس , و ما تشاهده هنا يوميا ؟ أم أن (جتتنا هى اللى نحست) فغير مقدرين لحجم المشكلة ؟؟ و لكنها أوجزت لى مرة الأمر فى جملة سقطت منها سهوا "أنا اتجوزت هسين (حسين) من خمسة و عشغين سنة و كان فى مباغك , دلوقتى ليا خمسة و عشغين سنة متجوزة هسين و برده مباغك " و طبعا استنتاجى يا مدام سيلفى أن المشكلة من الأستاذ حسين .

الاثنين، 12 يناير 2009

من يحاكم منتظر الزيدى , مشاعرنا أم قوانينا ؟؟؟

واحد من الصراعات الأزلية الكثيرة و الذى لا أتوقع أو أريد له الحسم -لأن فى حسمه من أى زاوية تحقيق للظلم- , هو الصراع بين القانون و عرف المجتمع من جهة أمام دوافعنا كبشر من جهة أخرى . يجسد لك هذا الصراع مسلسل السابعة و الربع , من خلال نموذج الابن الذى على المحك بين اجراء عملية مكلفة لوالدته تتوقف حياتها عليها أو سرقة مديره الثرى و الذى لن يضره خسارة بضع ألاف .قانونا , الابن مكانه السجن , فلا القانون و لا العرف و لا المجتمع يعنيه ان كانت أمه على وشك الموت أم لا , و لا يعنيه أن كانت عملية قلب مفتوح أو عملية تجميل , فالابن سيحصل على شارة السارق طول عمره , و فى نظر القانون و المجتمع هو مذنب و مجرم .
و لكن بعيدا عن القانون , و اذا جردنا أنفسنا من تأثير برنامج " الجريمة لا تفيد , و من حق المجتمع و حق الجماعة " ,و من أراء المشرعين و من رأى الدين - لأن بداخلى هاجس يحدثنى بأن الله لا يحاسب الناس على أفعالهم بشكل مطلق - , هل من يسرق بضع ألاف من شخص لا يحتاجهم لانقاذ حياة امه , هو لص بالفطرة , أو يمثل تهديدا حقيقيا على المجتمع ؟؟ الأمر على درجة من تعقيد .....و الغريب أن تصادف فى خلال هذه الأشهر أن أقرأ رواية " انهم يطلقون الرصاص على الجياد , أليس كذلك ؟"و أيضا مسرحية "هنريك ابسن " "بيت الدمية ", و لا شىء مشترك بين العملين سوى فكرة الصراع بين دوافعنا و أسبابنا كأفراد أمام القانون , و ان كانت الرواية تعتبرها فكرة محورية , و المسرحية تعتبرها ثانوية .
فى المسرحية "نورا" تصل لمرحلة الشك و فى النهاية رفض لكل تقاليد و قوانين المجتمع و كذلك لعقيدتها , لأنها تم اعتبارها من وجهه نظر زوجها و مجتمعها مذنبة لأنها قامت باقتراض نقود لعلاج زوجها , و حيث أن القانون وقتها كان فى حد ذاته ظالم جدا فكان يمنع المرأة من الاقتراض دون أن يضمنها زوجها أو والدها , " نورا" بتزوير توقيع والدها حتى تحصل النقود و تتمكن فى نفس الوقت من اخفاء عن زوجها حقيقة مرضه . أما فى الرواية, يضطر شاب لاطلاق الرصاص على فتاة يحبها خضوعا لرغبتها فى التخلص من حياتها ,كان وجودها فى الحياة نفسه عبء نفسى عليها لا تطيقه , و لكنها لم تمتلك الشجاعة الكافية للانتحار , فيضطر الشاب بعد توسلاتها اليه أن يخلصها من حياتها و يطلق عليها الرصاص , و على الرغم من هذا يعدم فى النهاية , بعد أن يكون الكاتب قد نجح على مدار الرواية فى اقناع القارىء بأن تخليص " جلوريا" من حياتها رحمة لها و لمن حولها .
دعونا من الجرائم و الممنوع مسبقا قانونا و دينا لأننا قد نختلف عليه كثيرا ,و لنتحدث عن واقعة الحذاء الشهيرة و التى كان بطلها منتظر الزيدى, السؤال هنا : اذا كان هناك فى القانون بند يعاقب على " الاعتداء على رئيس دولة أجنبية " على أى أساس يجب محاكمة " منتظر" ؟؟لو حصل " منتظر " على البراءة , يجب أن يحصل أى منا عليها سواء كان موجه حذاءه لرئيس دولة عربية أو أجنبية , و سواء كانت الدولة عدوة أم صديقة , لأن القانون لا يتعامل مع مشاعرنا كمبررات .لست ضد ما قام به " منتظر" لأن اليوم الذى يقرر فى أحدهم أن يكون زعيما أو رئيسا يجب أن يعلم أن حذاء فى وجهه هو أقل ما يمكن أن يحدث له , و ان كنت ضد أن لحظة ما قذف منتظر حذاءه فى وجه بوش كان منتظر " الصحفى " و ليس المواطن العراقى فحسب , و لو كان بوش وقتها يسير فى موكبه و صفة الصحفى متنحية عن منتظر جانبا , لكنت احترمت ما فعله أكثر. "منتظر" كمتهم الأن , لديه مشاعره كعراقى أولا و كشخص سجن و تعرض للتعذيب فى ما مضى على يد النظام الأمريكى ثانيا , و أمامه قانون لا يستثنى كل هذا .....

الأربعاء، 7 يناير 2009

تصبحون على وطن

هذه الأغنية للفلسطنين بغزة , , ولا أهديها لهم لأنهم عرب أو مسلمين بل لأنهم بشر بالمقام الأول و لهم الحق فى وطن ... أتمنى لهم أن يصبحون على وطن , و أتمنى لنا أيضا أن نصبح على وطن ... http://www.youtube.com/watch?v=6EPJr9CoeyQ&feature=PlayList&p=A0FE77C111EE1924&playnext=1&index=5

الخميس، 1 يناير 2009

اذاعة الاسكندرية فى رأس السنة

دليلك الى ارتفاع الضغط و الصداع النصفى هو الاحتفال مع اعلامنا الحكومى بالسنة الجديدة

و لأنى الى حد ما متابعة للراديو أوقعنى حظى العاثر فى اذاعة الاسكندرية و فى مذيعى اذاعة الاسكندرية

فليست المشكلة فى أنهم لا يدركون معنى الجانب الترفيهى للاعلام من خلال الاختيار الخاطىء للموضوعات المطروحة فى ليلة رأس السنة فقط , الا أنهم لا يعرفون كيف يتكلمون و ماذا يقولون , حتى أنك تشعر من مستوى الحوار و اللغة المستخدمة أنك بصدد محطة رئيسها " مرعى بتاع الكليمة " .

*فعندما أرادوا التعليق على أحداث غزة فى جلسة تضم عدة مذيعين قال أحدهم : نحن لا نقبل المزايدة على الدور المصرى , المصريين حكومة و شعبا متعاطفين مع الفلسطنين بغزة , و أضافت مذيعة يبدو من صوتها أنها فى منتصف العمر : "لما قرأت تعليقات الشباب على الأزمة فى غزة على الانترنت و فى التليفزيون اكتشفت أن شبابنا " بيفهم" , و سعدت جدا أصل دى حاجة جديدنا على شبابنا " .

تعليق جانبى : فعلا عزيزتى المذيعة , أنت خير دليل على أن شبابنا من عشرين سنة لم يكن " بيفهم "

*أما عن البطالة فتقول مذيعة : البلد مفيهاش بطالة , فيها سوء اختيار من الشباب , هما مش عاوزين يشتغلوا , الخريج الحديث دلوقتى عاوز ياخذ زيي وأنا بشتغل ليا تلاتين سنة , تصدقوا يا جماعة ( موجهة كلامها لزملائها) احنا لما عملنا دورة تدريبية للشباب من خريجى الجامعات عشان نعدهم يبقوا مهنيين ( قصدها صنايعة ) مطلبناش منهم أى حاجة و فى المقابل ادناهم 150 جنيه فى الثلاث شهور , أيوه و الله 150 جنيه فى ثلاث شهور, و بعد انتهاء الدورة عرضنا عليهم وظائف و رفضوا , كل ده عشان مش عايزين يبقوا مهنيين .

*أتقبل النفاق بسعة صدر , و لكن نفاق + غباء , هذا كثير جدا , أحترم المنافق الذكى الذى يقول مثلا :" فى بطالة, بس دى أزمة عالمية , الحكومة ملهاش دعوى" . أو : "البطالة نسبتها ضئيلة جدا فى مصر " . أو جريدة تطالعنا بعنوان : "50 ألف فرصة عمل جديدة" . لكن أعزائى المذيعين , فجعيتى فيكم كبيرة , حتى النفاق لا تجيدوه .

*و عن التدخين , تقول مذيعة بانفعال شديد " المدخن ده واحد مريض نفسيا واحد مريض يا جماعة , ازاى نقول له أن ده يضر صحتك ومش عايز يسمع الكلام ( على شاكلة شرب اللبن الصبح) , ده مش طبيعى , و تضيف زميلتها مؤيدة : "دول عاوزين علاج نفسى " ( بمعنى أخر , يصفون كل مستمعيهم من سائقى التاكسيات و الميكروباصات بأنهم مرضى نفسيين ) , و يتدخل هنا مذيع صائحا بطريقة ذكرتنى ببائع "الدوم" الذى كان يقف بجانب مدرستى: " و حرام , حرام شرعا" , فترد عليه :" أيوه تبديد للفلوس كمان ".

تنويه لكل المدخنين : فى طريقكم للطبيب النفسى , اصطحبوا معكم مذيعى المحطات الذين يعلمون أن لا أحد يستمع اليهم و لكن على الرغم من ذلك مصرون على اهدار وقتنا و وقتهم .

*تحكى احداهن معلقة على أكثر ما استوقفها و أسعدها أثناء مشاهدتها لاحتفالات التليفزيون الحكومى برأس السنة :" عجبنى أوى لما جابوا فى البيت بيتك بيسألوا بائع مصرى " احنا بنحتفل بايه بكرة ؟" فقال: " مش عارف , أنا بحتفل لما أخلص البضاعة اللى قدامى " فسأله المراسل " يعنى انت مش عارف أن بكرة سنة جديدة ؟" " فرد: "لأ , معرفش ". وتضيف المذيعة (و هى سعيدة جدا بأن بساطة المواطن المصرى وصلت لمرحلة أنه لا يعلم أننا على أعتاب سنة جديدة ) " فعلا , هو ده المواطن المصرى البسيط الجميل , بكل ما فيه من رضا و قناعة , ياريت لو كلنا عندنا نفس الرضا و القناعة "

هل هذا ما أعجبها حقا ؟؟ ألاتعلم أن عند الكشف على القوى العقلية أول ما يوجه للمريض " النهاردة ايه فى الأسبوع ؟" , لكن يبدو أن عندنا يجب أن يكون السؤال : " احنا فى سنة كام يا ترى ؟؟" , هل هى سعيدة بحالة " البنج الجماعى" ,أم فخورة بحالة الانفصال المرضى عن العالم ؟؟

لا , لن أرحمكم لا بد أن تمروا بالتجربة كلها , و لذلك سأختم بحلقة مميزة جدا استمعت اليها من برنامج اسمه- تقريبا - "حكايات شهرزاد "

:(و أخذ العباد فى الشكوى يا أمير , من ارتفاع أسعار السواقين , و لما سألنا السواقين قالوا : السبب فى المسئولين الفاسدين , اللى بيفرضوا علينا فلوس كتير , فنضطر لرفع الأسعار على الراكبين , و فى يوم مر اللواء العظيم :و رأى أحد الفاسدين يأخذ الأموال , فأمر بعقابه فى الحال , و عاد للناس الأمن و الأمان , و ما أن مر بموكبه اللواء العظيم حتى عادت الأحوال لما كانت عليه فى القديم )

لقد اكتفينا بهذا القدر عزيزى المستمع , أقصد عزيزى القارىء , و أرجو أن نتضامن جميعنا يوما مع سائقى الميكروباصات و التاكسيات لاضطرارهم الى الاستماع الى المحطات الاذاعية الحكومية ,و نعذرهم على ارتفاع معدلات " البلاهة " بينهم . و لنا أمنية واحدة فى 2009 , محو أمية مذيعى الاعلام الحكومى.