الأربعاء، 14 أبريل 2010

سيمفونية سينمائية هندية " أنا اسمى خان "

فيلم My Name is Khan لمخرجه كاران جوهار نجح فى أن يخلق " حالة " تستطيع أن تتعايش معها لبضعة أيام من مشاهدتك له. من الصعب أن يخلق فيلما حالة و الأصعب أن تحقق هذه الحالة هذا القدر من الاستمرارية , فكل من شاركونى فى مشاهدة الفيلم مازالوا يعيشون ما أسميته ساخرة Post My Name is Khan syndrome أو أعراض ما بعد مشاهدة أنا اسمى خان. الفيلم يبدأ بظهور الشخصية الرئيسية ريزفان خان , و هو يهم بالسفر من و لاية أمريكية لأخرى بأحد المطارات الأمريكية , و لكن وهو فى صالة الانتظار يمنعه أمن المطار من اللحاق برحلته و يصطحبوه لتفتيشه بتعسف و بقدر من المهانة . لم يكن قد تسنى لنا بعد رؤية وجه خان عن قرب , و لكن نكتشف فى لحظات أنه لم يكن حاملا لاى ممنوعات و ان طائرته قد أقلعت دون أن يستطيع اللحاق بها . و يبدو أن سلوك خان الغريب (فهو يعانى من التوحد ) بالاضافة لاسمه الذى يشير الى انه من مسلمى الهند قد أدى بالسلطات الأمريكية الى الاشتباه فيه و خاصة أن أحداث الفيلم تدور فى الفترة ما قبل و بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرة . و يسأل موظف الامن قبل اطلاق صراح خان مباشرة عن سبب سفره للعاصمة دى سى , فيخبره خان ببساطة أن ذاهب لزيارة الرئيس الامريكى , يسخر منه الضابط و يسأله بتهكم عن سبب الزيارة فيقول له أن سيذهب ليبغ الرئيس الامريكى بأن اسمه خان و انه ليس ارهابيا . جملة My Name is Khan and I am not a terrorist هى مفتاح الفيلم و بل أن سرد ثلثى أحداث الفيلم بطريقة الفلاش جاء خصيصا لتفسير هذه الجملة , الفلاش باك يبدأ بحياة خان و هو طفل ونشأته فى قرية هندية صغيرة موضحا القيم و المعايير المتسامحة التى حاولت امه أن تنشئه عليها , كذلك توضح امارات النبوغ و حدة ذكاء الصبى خان . و فى سن المراهقة تتوتر علاقته باخيه الأصغر و الذى لم يتحمل اهتمام أمه الزائد بأخيه المتوحد , فيرحل أخوه الى الولايات المتحدة و بعدها بفترة ليست ببعيدة تتوفى والدته , فيضطر الى احضار أخيه خان الى سان فرانسيسكو . هناك يبدأ خان حياته و يجد صعوبات جمة فى التأقلم مع الحياة الامريكية كشاب متوحد أولا و كهندى ثانيا حتى يقابل فى يوم ما فتاة هندية جميلة يحبها و بعد محاولات مستميتة فى اقناع مانديرا فى الزواج منه ينجح بالفعل و تتزوجه مانديرا على الرغم من اضطرابه النفسى و يعارض أخوه هذا الزواج بحجة أنه لا يجوز لمسلم الزواج من هندوسية . الاحداث حتى ما بعد زواج خان و مانديرا بقليل أى نصف الفيلم مثلا تجعل من الفيلم فيلما رومانسيا اجتماعيا , الى أن تقع أحداث 11سبتمبر و تنقلب موازين حياتهم , فتتعرض زوجة أخيه للاضطهاد فى الجامعة بسبب حجابها , و يتعرض خان و زوجته للنبذ من جيرانهم و تتصاعد الاحداث بشدة و تقع المأساة عندما يفقد ابن مانديرا الوحيد من زوجها الأول حياته فى شجار لأسباب طائفية و عرقية نتيجة لحمله لاسم زوج امه المسلم " خان " و تشعر مانديرا بمسؤوليتها عن الحادث فهى التى تزوجت من مسلم , و لما انتابتها نوبة غضب و صراخ على فقدانها لابنها طردت خان من حياتها و فى لحظة غضبها قالت له ألا يعد الى حياتها مرة أخرى الى عندما يعلن لكل مواطن أمريكى بأنه ليس ارهابيا بل عليه ان يخبر الرئيس الأمريكى نفسه بأنه ليس ارهابيا . لم يستوعب خان ما كانت تعنيه زوجته و تصور بالفعل بان زوجته ستعود اليه اذا قابل الرئيس الأمريكى و قال له :((نا اسمى خان , و أنا لست ارهابيا) , من هنا يكون سرد الأحداث بالفلاش باك قد انتهى و يبدأ الفيلم فى السرد التقليدى مصورا رحلة خان الشاقة للوصول الى الرئيس الامريكى فقد ارتحل ما بين الولايات سيرا على الأقدام و على ظهر عربات النقل , عانى فيها الفقر و الجوع , و لكن كانت ارادته دائما تنتصر و نجح بعد محاولات عديدة فى مقابلة الرئيس تم خلالها القاء القبض عليه بتهمة الارهاب و تم تعذيبه على يد المخابرات الأمريكية الى أن أصبحت قضية رأى عام و أصبح هذا الشاب الهندى المتوحد بطل و رمز للسلام و التعايش . الفكرة الاساسية للفيلم تدور حول فكرة قبول الاخر و ظهر هذا فى الحساسية الواضحة بين مسلمى و هندوس لهند من جهة و بين الهنود من المهاجرين و الامريكيين من جهة أخرى . و على الرغم من أن قبول الاخر فكرة تضم العديد من المفاهيم الاخرى فهى فكرة شاملة عامة الى انها صورت فى الجزء الاول من الفيلم فى شكل علاقة بين خان و مانديرا . التعصب الأعمى هو المحرك الاساسى لاحداث الجزء الثانى من الفيلم فهذا التعصب من قبل الأمركيين بعد أحداث 11 سبتمبر هو الذى ولد العنف الذى ظهر فى مقتل سمير ابن مانديرا الهندوسية , هذا الحادث كان من شأنه دفع الاحداث للامام و أدى أيضا الى احداث تطور كبير فى شخصية خان من شخص انطوائى يهاب الاماكن الجديدة الى رجل قوى يرتحل بين المدن الأمريكية بارادة عظيمة لتحقيق هدفه , محركا الحبكة هنا هما احساس الفقد و اضطراب التوحد الذى يعانى منه خان . و لكن اعتقد أن صناع فيلم أخطأوا فى جعل شخصية خان تتطور أكثر من الازم بل أنهم فى نهاية الفيلم صنعوا منه شخص لم يكن من المقدر له ان يكونه , أو بمعنى اخر حولوه من رمز للرغبة فى التعايش و الحب الى بطل قومى و من المستحيل أن تتطور شخصية شاب متوحد الى هذا الحد , أى نعم قد حاول الفيلم اقناعنا بأن هذه الصورة البطولية لخان هى من صنع الاعلام الذى التف حول قضيته , و لكن بالفعل هذا الانحراف عن المسار المنطقى للشخصية و الذى حدث فى الربع الأخير من الفيلم عندما بلغ خان بان هناك اعصار ضرب قرية فى ولاية جورجيا و كان قد سبق له اثناء ترحاله أن مر بهذه القرية و قد اشتضافته سيدة كبيرة فى السن و ابنها الصغير , و قد تعلق بهما خان كثرا حتى أنه خاطر بحياته و عاد الى القرية متصورا أنه باستطاعته انقاذ ماما جينى و ابنها , و لم يكن هناك داع لتحويل خان الى بطل أكثر من الازم يعمل فى خضم الاعصار على بث روح الهمة و العزيمة بين سكان القرية اليائسين و يساعدهم على اعادة بناء مساكنهم , و الاكثر اقحاما فى هذا الجزء هو حضور زوجته فى النهاية الى موقع العصار بعد ان علمت بوجوده فيه , و أول ما رأها فى القرية انقض عليه رجل ارهابى و طعنه فى صدره هذا لأن خان قد قام بالابلاغ عن نشاط ارهابى كانت تقوم به هذه الجماعة قبل القاء القبض عليه هو بتهمة الارهاب و ارى أن هذا الجزء بداية من قرار خان بتأجيل سعيه الى مقابلة الرئيس لذهابه الى جورجيا حيث الاعصار حتى طعنه على يد الرجل الارهابى كله مقحما و قد أضر بالتطور الطبيعى لهذه الشخصية . فكرتا قبول الاخر و التعصب عبر عنهما الفيلم بعدة صور , بداية من اسم " خان " و الذى كان دائما ما يستاء البطل من عدم قدرة الأمريكيين على نطقه بال ( خ ) فكانوا يدعونه ب ( كان ) , فالخاء و ان كانت حرف يتعثر الغربييون على نطقه فهم غالبا لن يستوعبوا الخلفية الثقافية و المعرفية لهذا الشاب الهندى , و للفيلم موقف معين واضح و صريح من رؤية المواطن الأمريكى و كذلك حكومته من المسلمين , فهناك تعمد واضح فى أن يكون اسم الضابط المحقق فى قضية وفاة الابن أن يكون اسمه جارسيا و ذو ملامح لاتينية واضحة , و أن يكون زبائن خان على الطريق السريع حيث اضطر للعمل كفنى اصلاحات من الاسيويين و كذلك معظم الشخصيات الأخرى من أصول أفريقية خاصة ماما جينى و ابنها ليوضح أن أمريكا استطاعت ان تضم فى ثناياها عناصر غير متجانسة و على الرغم من ذلك عجزت عن تقبل المسلمين , أى نعم كانت اسرة ماما جينى و جيرانها فى القرية فى حالة بائسة و لكن ربما هذا يرجع لفقرهم لا لانتماءتهم العرقية , و هناك تعمد فى خلق هذا التقارب بين روزفان خان المسلم و الأسرة الأفريقية ليقول الفيلم أنه كما عانى الافراقة فيما قبل من اضطهاد على يد الرجل الأمريكى الأبيض ها هم يعيدون الكرة مع مسلمى أمريكا . لا أميل الى تصوير الشخصيات الى عنصر نسائى و عنصر ذكورى , و لكن لا أستطيع ألا أشير للفرق الواضح بين المنحى الذى اتخذه الفيلم الهندى فى تصوير العنصر النسوى و هو بصدد قضية شائكة كالتعصب و قبول الأخر و بين الصورة التى يظهر عليها العنصر النسوى فى الفيلم المصرى الذى يتناول نفس الفكرة , ففى الفيلم الهندى و فى المشاهد الأولى من الفيلم الأم هى اول من علم الصبى المتوحد ثقافة التسامح و كيف أنه لا فرق بين مسلم و هندوسى أو أى شخص يدين أخر , فالمهم هو أعمالنا الصالحة , كذلك عندما رفض أخو خان زواجه من هندوسية الأمر الذى الى القطيعة ما بينهم كانت زوجته المحجبة هى الأكثر تفهما , هذا يدفعنا لأن نتذكر سويا فيلم مصرى تناول فكرة مشابهة و هو " حسن و مرقص " , فالعنصر الاكبر المحرك لقوى التعصب و الكراهية فى الفيلم كانتا زوجتى حسن و مرقص !! مع أن ثقافة الحب و التعايش السلمى لا علاقة لها بالنوع البيولوجى كما أشار الفيلم الهندى . " أنا اسمى خان " يعد علامة فارقة فى تاريخ السينما الهندية فهو محاولة حقيقية لخلق خطاب سينمائى هندى جديد على مستوى الشكل و المضمون سينما تخاطب الغرب و تحاكى بل و تتنافس مع السينما الأمريكية , و أيضا ايمان عالى بها , فالفيلم الهندى انتهى على مشهد يجمع بين خان و الرئيس باراك أوباما مؤكداعلى انه عهده سيكون عهدا جديدا فى السياسة الأمريكية و هو باشرة أمل لمسلمى أمريكا و غيرهم من أقليات .... بمعنى أخر , صناع " أنا اسمى خان " اعتبروا باراك أوباما هو المخلص .